الزراعة الداخلية للأعشاب: استثمار في المنزل

عرف الإنسان الزراعة منذ القِدَم، إذ تعد من أول الحِرَف التي مارسها البشر، وكان لها بالغ الأثر في نشأة الحضارات واستمراريتها من خلال تأمين الغذاء للإنسان والعلف للحيوان. بينما كانت الزراعة في السابق وسيلة لإنتاج المحاصيل الغذائية فحسب، أصبحت مؤخرًا شائعة زراعة النباتات الداخلية بغرض تزيين المنازل وإمدادها بالحيوية. في هذا السياق، يلجأ الكثيرون إلى زراعة الأعشاب المستخدمة في الطهي والتداوي داخل المنزل، إذ إن إنباتها لا يتطلب جهدًا أو خبرة كبيرة.

في هذا المقال، أعددنا لك نصائح وأفكار تعينك على كيفية زراعة حديقة أعشاب داخلية، فتابع معنا.

نبذة عن زراعة الأعشاب داخل المنزل

تُعد زراعة الأعشاب في المنزل خيارًا مناسبًا للمبتدئين في الزراعة. قد تكون قد جرّبت زراعة الخضروات في حديقة منزلك، لكن هل فكرت يومًا في زراعة حديقة أعشاب داخلية؟ ما الفرق بين الاثنتين؟ يُعتبر الفرق الأكبر أن غالبية الأعشاب يمكن إنباتها داخل المنزل، في حين تحتاج الخضروات إلى القدر الكافي من الإضاءة الطبيعية لتنمو، فضلًا عن المساحات الشاسعة التي تشغلها العديد من المحاصيل وحاجتها إلى الأحواض الكبيرة أو الأراضي المخصصة، إلى جانب التراب ذي السماكة الكبيرة.

أما بالنسبة لمزايا زراعة حديقة أعشاب داخل المنزل، فإنها تضفي مظهرًا طبيعيًا حيويًا، ولا يخفى على أحد الأثر الإيجابي الذي تنشره النباتات داخل المنزل، ناهيك عن فوائدها واستخداماتها العديدة. فلا شيء يضاهي الحصول على الأعشاب الطازجة المقطوفة عند الطهي أو الخبز، أو حتى عند إعداد المشروبات الساخنة المستخدمة للتداوي.

يبحث الكثيرون عن خضروات مناسبة للزراعة داخل المنزل، لكن هل فكرت في أصناف الأعشاب الأكثر ملاءمةً للزراعة الداخلية؟ تشمل تلك الأصناف كلًا من: الريحان، النعناع البري، الثوم المعمر، الأوريغانو، البقدونس، إكليل الجبل، الميرمية، النعناع، الزعتر وغيرها، حيث تختلف طرق العناية بكلٍ منها، وقد تختلف طبيعة الأحواض المناسبة لها وعمق التربة.

نصائح زراعة حديقة أعشاب داخلية

لتضمن نجاح زراعة حديقة أعشاب داخل المنزل، هناك بعض النصائح والتعليمات التي ينبغي عليك اتباعها، بعضها يتعلق بعملية الزراعة نفسها، والآخر بنوع الأحواض:

اختيار الأحواض

تتنوع أنواع أحواض النباتات التي يمكنك الاختيار منها، ويعتمد ذلك على عدة عوامل؛ منها نوع النبات واحتياجاته، والديكور العام، وملاءمتها وتحملها للظروف الجوية المختلفة. بشكل عام، يُنصح باختيار الأحواض ذات التصريف الجيد عند زراعة الأعشاب داخل المنزل، وينبغي وضع طبق أو قرص تحت كل حوض لتوفير الحماية اللازمة.

يمكنك استخدام الأحواض من مختلف الأحجام، مع مراعاة أهمية نقل النبات إلى حوض أكبر عندما ينمو وتمتد جذوره بشكلٍ كبير. أما في حال استخدام الأوعية الزجاجية أو أي نوعٍ من الأحواض غير التقليدية، ينبغي وضع طبقة من الحصى في قعرها؛ كوسيلة لتصريف الماء الزائد الذي قد يؤدي إلى تعفن الجذور وإفساد النبتة.

يعتمد اختيار حجم الحوض وشكله كذلك على نوع النبات المزروع، فمثلًا تنمو جذور النعناع بصورة أفقية وتستمر في التمدد، مما يدعو إلى زراعته في أحواض مستطيلة كبيرة الحجم، فمن المهم أن تأخذ جذور النبتة الحيّز المناسب لها.

اختيار المكان المناسب

يُنصح بوضع غالبية الأعشاب في بقعة مشمسة لمدة لا تقل عن 6 ساعات يوميًا، كي تتعرض لأكبر قدرٍ ممكنٍ من أشعة الشمس الضرورية لعملية التمثيل الضوئي. يمكنك وضعها بجانب إحدى نوافذ المنزل المواجهة للشمس، كما لا يُفضل وضع تلك النباتات في وسط الغرفة أو في أي مكانٍ معتمٍ.

تختلف معدلات نمو الأعشاب باختلاف الفصول، حيث يكون نموها في فصل الشتاء أبطأ بالمقارنة مع فصل الصيف. يمكنك شراء الأضواء المخصصة لتعويض نقص أشعة الشمس في الشتاء.

ري النباتات

عليك بتثقيف نفسك حول احتياجات كل نبتةٍ تزرعها داخل منزلك قبل زراعة حديقة أعشاب داخلية، حيث تختلف كمية الماء التي تحتاجها كل نبتة. بعض النباتات مثل النعناع تحتاج إلى الري المستمر، حيث يتوجب سقايته يوميًا في فصل الصيف، في حين أن بعض الفصائل الأخرى تتأذى بكثرة الري، مثل الزعتر الذي يوصى برية مرة واحدة كل أسبوعين خلال فصل الصيف، حيث يتميز بقدرته العالية على تحمل الجفاف.

بصورة عامة، ينبغي أن تكون التربة رطبةً بعض الشيء وألّا تكون مبللة بشكلٍ كبير، ولا تبالغ في ريّ الأعشاب حتى عند اصفرار أوراقها، فكوب صغير من الماء يكفي لإنعاشها.

تجهيز التربة

التربة هي الوسط الذي تنمو فيه النبتة، وتستمد منه العناصر والمعادن المغذية لها، لذا من الضروري تهيئة التربة والتأكد من ملاءمتها للزراعة. تحتاج معظم النباتات العشبية إلى تربة برقم هيدروجيني (pH) معتدل، أي ليست حمضية ولا قلوية، كما تحتاج إلى بعض العناصر الغذائية ومستوى جيد من التصريف والتهوية.

يمكنك اختبار نسبة التصريف في التربة بنفسك من خلال حفر حفرة بعمق 30 سم وملئها كليًا بالماء، ثم تركها ليلة كاملة حتى يصرَّف الماء. عليك بعد ذلك بغمر الحفرة مجددًا وتفقد التصريف كل ساعة، حيث يبلغ معدل التصريف المثالي قرابة 5 سم من الماء في الساعة الواحدة. بالنسبة للعنصر التغذوي، يُنصح عادةً بخلط التربة بالسماد العضوي، مثل البيتموس أو الكومبوست أو قشور جوز الهند، مما يسهم في تغذية النبات وتحسين نسبة التصريف في التربة.

قطف الأعشاب

لطريقة قطف الأعشاب أثرٌ كبيرٌ في الحفاظ عليها وضمان استمرارية نموّها، حيث تسهم الطريقة الصحيحة في تحفيز النبات على إنتاج المزيد من الأوراق. عادةً ما يُنصح بقص جزءٍ صغيرٍ من أطراف النبات أو قطف الأوراق باليد، مع مراعاة عدم المبالغة في القطف بحيث لا يتجاوز ربع النبتة في كل مرة، فقد يؤذي ذلك النبتة أو يفسدها كليًا.

طريقة الزراعة

لزراعة الأعشاب داخل المنزل، يمكنك البدء بزرع البذور أو شراء النباتات الجاهزة. إذا اخترت زراعة البذور، يُفضل أن تبدأ بزراعتها في أواني صغيرة ثم نقلها إلى الأحواض الأكبر بعد نموها. تأكد من اتباع التعليمات على عبوة البذور بخصوص عمق الزراعة والمسافة بين كل نبتة.

فوائد زراعة الأعشاب داخل المنزل

تتمتع زراعة الأعشاب داخل المنزل بعدة فوائد، منها:

  • توفير الأعشاب الطازجة والمغذية للطهي والتداوي.
  • تحسين جودة الهواء داخل المنزل.
  • تقليل التوتر وتعزيز الصحة النفسية من خلال التفاعل مع الطبيعة.
  • توفير فرصة لتعليم الأطفال حول الزراعة والغذاء.

بإمكانك أن تبدأ رحلتك في زراعة الأعشاب الداخلية من اليوم، واستمتع بمزاياها المتعددة في حياتك اليومية. حظًا موفقًا في زراعتك!

العودة للمدونة

أترك تعليق